حين يسقط المعلم من عليائه.. هل أصبح الاحترام ترندًا قديمًا؟

بانيقيا نيوز21 فبراير 2025
حين يسقط المعلم من عليائه.. هل أصبح الاحترام ترندًا قديمًا؟
علي الحسيني
علي الحسيني

في زمن المتغيرات السريعة والانحرافات الثقافية الغريبة، نجد أنفسنا أمام مشهدٍ يثير القلق، بل يستدعي قرع نواقيس الخطر: طلابٌ ينادون معلميهم بأسمائهم المجردة، دون لقب “أستاذ” أو “معلم”، بدعوى أنها “ترند” أو “طشّة” جديدة في أوساط الشباب!

هذه الظاهرة ليست مجرد زلة لسان عابرة، بل هي مؤشر صارخ على تآكل قيم الاحترام والتقدير داخل المؤسسات التعليمية. كيف يُعقل أن يتحول التبجيل إلى ترفٍ، ويصبح الاستخفاف بالمعلم موضةً يُتداول بها في أروقة المدارس والجامعات؟ كيف نسمح لموجات السخرية المستترة تحت ستار الحداثة أن تعصف بأحد أقدس الأعمدة التي يقوم عليها التعليم؟

المعلم.. قيمة لا يختزلها الترند

المعلم ليس مجرد موظف يؤدي واجبًا وظيفيًا، بل هو حامل مشعل المعرفة، وراسم معالم المستقبل، وباني الأجيال. كل حضارة عظيمة احترمت معلميها، وكل أمة سقطت كان أول ضحاياها هم أرباب العلم والفكر. فهل نريد أن نختصر هذا الإرث العظيم في مجرد اسم مجردٍ يُتداول على ألسنة الطلبة كما ينادون أقرانهم؟

قد يحتج البعض بأن العصر تغيّر، وأن العلاقات داخل الصفوف الدراسية باتت أكثر انفتاحًا، لكن هل الانفتاح يعني الانحلال من القيم؟ وهل التطور يقتضي إسقاط الاحترام؟ إن لم يكن للمعلم هيبته، فكيف نطالبه بصناعة جيلٍ واعٍ؟

من المسؤول؟

هنا، لا بد من طرح السؤال الأهم: من المسؤول عن هذا التدهور في أخلاقيات التعامل داخل المؤسسات التعليمية؟ هل هو الإعلام الذي يُروّج لمفاهيم مبتذلة تحت مسميات الحداثة؟ أم الآباء الذين أهملوا زرع قيمة التقدير في نفوس أبنائهم؟ أم الإدارات التعليمية التي تغض الطرف عن هذه الممارسات وكأنها أمر طبيعي؟

إن ترك هذه الظاهرة تتغلغل دون وقفة جادة يعني التساهل مع انهيار سلّم القيم. ليس المطلوب فرض الاحترام عبر قوانين عقابية، بل عبر ترسيخ ثقافة مجتمعية تعيد للمعلم مكانته الطبيعية. فالطالب الذي ينشأ على توقير معلمه، هو ذاته الذي سيحترم كل فردٍ في مجتمعه، وسيرسخ مستقبلاً بيئة قائمة على الاحترام المتبادل.

كلمة أخيرة.. لا تسقطوا هيبة المعلم!

قد يبدو مناداة المعلم باسمه دون لقبٍ أمرًا تافهًا في أعين البعض، لكنه في جوهره يعكس أزمة تربوية وثقافية لا يمكن الاستهانة بها. من هنا، فإن المسؤولية جماعية، تبدأ من الأسرة وتمتد إلى الإعلام والمدرسة والمجتمع بأسره. فحين يفقد المعلم هيبته، لن يكون هناك من يحمي جيل المستقبل من أن يصبح فريسة لثقافة الاستهزاء والاستهتار.

فلنعِ جميعًا: ليس كل “ترند” يستحق أن يُتبع، وليس كل “طشّة” تستحق أن تُعطى الشرعية، فبعض الظواهر ليست سوى مقدماتٍ لانحدار لا رجعة فيه!

الاخبار العاجلة