عباس عجاج
يرى أنصار الديموقراطية أن يوم الغدير شهد ديكتاتورية مطلقة في تولية الإمام علي –عليه السلام –وليا و إماما للمؤمنين, وليس من الإنصاف أو العدالة أن يتم فرض شخصية ما على أبناء الأمة لتولي زمام الأمور, و ربما كان الأولى أن تختار الأمة بإرادتها من ترى قدرته على إدارة شؤون المسلمين بالأغلبية أو بالتوافق أومن خلال التصويت بنعم أو لا.
بذلك يتحقق للأمة حرية اختيار قائدها. لهذا القول ما يفنده, وهنا نتساءل: هل كانت الأمة مخيرة في تتويج نبيها المرسل من السماء؟ أم كان لها الرأي في تحديد ما يلائمها أو ما يتعارض مع ارادتها من القوانين التي جاء بها النبي المرسل؟ لقد كانت الحرية المطلقة متاحة منذ البدء في قوله تعالى: " لكم دينكم ولي دين ".
لم يكن السيف واقعا على الرقاب للاستجابة لدعوة الدخول بالإسلام, إنما كانت حرية الاختيار متاحة للجميع, وكان الدخول بالإسلام رغبة و طواعية, ومن ارتضى لنفسه أن يدين بالدين الجديد وجب عليه التصديق بما جاء به النبي وبما تحمل رسالته, تصديقا و ايمانا مطلقا, والرضا قولا وفعلا بما يدعو إليه النبي (ص) في كافة الأمور ومنها اختيار الوصي أو الولي من بعده. يقول انطونيو سكارميتا: " الديموقراطية صحية و ضرورية ولكن ليس لدرجة التصويت عمن يكون الأب داخل الأسرة ".
فالديموقراطية إذن هي حكم الشعب, و الأسرة هي الصورة المصغرة للمجتمع والتي يعتبر الفرد نواتها, ومن حق أفراد الأسرة الجلوس إلى طاولة المفاوضات, والنقاش حول سياسة ادارة شؤون الحياة اليومية, والاعتراض على بعض القرارات التي يرى غالبية أفراد الأسرة تعارضها مع المصلحة العامة كاختيار مكان سكن جديد قد يبعد عن أماكن الدراسة للأبناء أو يقلل من ايجاد فرص العمل هناك أو فقدان هوية الانتماء الوطني وغيرها.
لكن ليس من حق أفراد الأسرة التصويت أو الاعتراض أو حتى مناقشة من يقوم بدور الأب ومن تقوم بدور الأم, فتلك أمور قطعية ويجب التسليم بها مهما اختلفت الأهواء والآراء. وكذلك تولية الإمام علي عليه السلام ليست معرضا للتفاوض والنقاش أو الاعتراض.
فلو قال النبي (ص) إن صلاة الصبح أصبحت خمس ركعات بدلا من الركعتين وجب على الجميع القبول والرضا والانصياع والتنفيذ فورا, ولسبب وحيد كون من جاء بهذه الرسالة هو محمد (ص) ولا أحد سواه, وهو المفسر الأوحد لما جاء به, حتى وان نطق القرآن بخلاف ذلك.
الأمة لم تكن استجابتها للقرآن, ولا علم لها به, ولا مصدر لديها لتلقي آياته سوى النبي الأكرم, لذا فهو الأوحد الذي يحق له التفسير والأمر والاختيار و القرار النافذ.