عبدالله الجزائري
تعودنا نحن العراقيين، ساسة وقادة ومؤسسات وجمهور، على التفريط بالقيادات الوطنية والتأريخية وبالمنجزات والمكتسبات التي تحققت بأثمان باهظة وتضحيات جسيمة، وتضييع الفرص التأريخية التي تمر مر السحاب بدل الامساك بها واستثمارها، واضعاف عناصر وعوامل القوة والاقتدار والمنعة، ومن اهم مظاهر التفريط والتضييع سياسة الصمت والغموض والنأي بالنفس ، تتبعها المواقف والتصريحات غير المدروسة واللامسؤولة بازاء القضايا المصيرية والتي تصدر من بعض القيادات السياسية والتي فرطت بالمنجزات والانتصارات العسكرية وانعكاساتها الاستراتيجية في المنطقة ،وأضعفت موقف الحشد الشعبي وجعلته لقمة سائغة لخصومه في الداخل من الذين في قلوبهم مرض ، ولاعداءه في الخارج وعلى رأسهم اميركا والكيان الصهيوني ومملكة الشر والارهاب السعودية ومحيطها العربي الذي أوشك ان يكون عبري ،
تأتي هذه السياسة البائسة في الوقت الذي يجد العراق نفسه في وضع عسكري فريد من نوعه ومثال يحتذى به في محاربة الارهاب بفضل الحشد الشعبي والقوات المسلحة ، ويقابله تقدم الجيش السوري في ادلب واسترجاعه خان شيخون ، مع تفهم أميركي او استسلام للامر الواقع الذي فرضته روسيا.
وعلى ضوء ذلك تخلت واشنطن الى حدٍ ما عن دعم حلفاءها والمجاميع الإرهابية الموالية لها وتبنت المقترح الروسي بتوسيع مناطق خفض التوتر ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فان الازمة الخليجية القطرية واعادة تموضع الإمارات ساهمت في تفكك محور الشر الداعم للارهاب ، وانشغلت دول الخليج ومعها واشنطن والغرب بالمواجهة بينها ، والذي ترك فراغاً واضحاً في المنطقة الساخنة ، وكشف ظهر جيوشها ومرتزقتها ، وأخيرا الجرأة الايرانية في اسقاط فخر الطائرات الاميركية المسيرة وفي كسب حرب الناقلات ، يضاف لذلك الاعجاز اليماني في مواجهة التحالف العربي والعبري ،
وفي ظل هذا الفراغ والتفوق العسكري الميداني المتحقق في المنطقة في العراق وسوريا والصمود اليمني ، كان يُفترض بالسياسة العراقية في ظل هذا التفوق الميداني وانكشاف العدو استراتيجياً ، يفترض ان تُمسك بهذه اللحظة التأريخية والفاصل الزمني المهم ، وتصون عوامل القوة والاقتدار وتعمل على ديمومتها وتطويرها والاستعانة بها لسحب الإنجاز الميداني الى نصر سياسي .
وتلك هي المهمة الجوهرية للسياسية العراقية ، يأتي بعدها استثمار هذا التفوق من خلال لعب دور جيوسياسي في المجال الحيوي على أساس المصالح المشتركة ، وليس مثل كيان معزول او جماعات سياسية تحركها مصالح جزئية وحزبية ضيقة ، لان الازمات والملفات متصلة بعضها ببعض والقضايا المطروحة على الساحة عابرة للحدود متعددة الآفاق ، واللاعبون الكبار يدركون ان الحل يكون بحزمة واحدة ، والمصالح مترابطة بترابط الازمات ، وهذه هي المهمة الاخرى للدبلوماسية العراقية التي يجب ان تمارسها في مفاوضاتها وزياراتها وحواراتها .
وان لا ينخدع الساسة والقادة بسياسة الإغواء والإغراء وصناعة الوهم التي تمارسها واشنطن وتل ابيب والرياض وذيولهم من ابناء السفارات والبعثيين يتبعهم المدنيون الذين يدينون بدينهم والذين يدعون الى الميل والركون الى معسكر واشنطن تارة ، او الى سياسة النأي بالنفس وتوازن العلاقات تارة اخرى.
فتلك كذبة كبرى مثل كذبة العصر الديمقراطية ، ومثل خديعة او صفقة القرن للتطبيع مع الكيان الصهيوني والتي يريدون ضم العراق اليها طوعاً او كرهاً ، ونحذر من ارتكاب اخطاء استراتيجية واعطاء رسائل وإشارات توحي للعدو بامكانية تطويع وابتزاز العراق سياسيا واقتصادياً وعسكرياً ، وعلى العراق رد الجميل الى الدول الصديقة التي ساهمت وساعدت وشاركت العراق في محاربة داعش في ايّام الشدة كروسيا وإيران ، وعدم التنكر لها في ايّام الرخاء واليسر والعزة ، فليس ذلك من شيم الكرماء والفضلاء والنجباء ، واتقوا فتنة العرب والعجم.