لم يكن يوم الغدير يوما عاديا ولا حدثا عابرا كالاحداث التاريخية الاخرى التي في تاريخ المسلمين ، بل هو يوم يجب الوقوف عنده مطولا لانه مفترق طرق وحلقة مفصلية بين ماقبله ومابعده ، فحيثيات الحدث ومقدماته لم تكن توحي بان الحدث المرتقب هو حدث عادي فموسم الحج الذي يجتمع به المسلمين باعداد كبيرة والاعداد التي لحقت بالنبي( ص ) والتي عدت ب١٠٠ فيهم كبار الصحابة ورؤساء القبائل من العرب، واصحاب الشان في عشائرهم هذه في المقدمات في طريق العودة من مكة الى المدينة ، وفي صلب الحدث كذلك نودي في الناس للصلاة الجامعة التي لاينادى بها الا لامر مهم كالحرب والخسوف والامور الهامة، وبعد راحة المسلمين بعد الضحى حيث النفوس مهيئة لسماع هذا الامر ، واختيار الزمان والمكان المناسبين كانت كلها توحي بان الامر الذي سوف يبلغ به النبي (ص) ليس حدثا عاديا ، والطريقة التي خطب بها النبي (ص) ورفعه ليد الامام وهو واقف في جنبه والصحابة امامه وهو مالم يحدث سابقا ، كلها كانت اشارات اليهم لكي يترسخ في الاذهان انهم امام امر كبير ومصيري عليهم ان يعوه ، حيث كان يعلم انهم سيلتحق بربه قريبا فلابد ان يولي على الامة من يحفظ مصالحها وبتكليف الهي ، فبلغهم بالتكليف الالهي بولاية علي( ع) وبايعوه وهنأوه ، وماهي الا ايام قليلة حتى طوي الامر في ثنايا النسيان والجحود حيث اشتغل الامام علي (ع) في دفن النبي وتشييعه والحزن عليه ، واشتغل غيره بالسلطة والاجتماع لتقاسمها ، حتى انهم تركوا جنازة النبي (ص) لم يشيعها الا نفر قليل بسبب اسراعهم في تلاقفها .
لقد كشفت وفاة النبي (ص) ان المسلمين لم يترسخ الايمان الحقيقي في نفوسهم الا لدى القلة القليلة من المخلصين والذين احاطوا بالامام ونصروه ، وانما كانت تتقاذفهم الاهواء وانجروا الى حملات الاعلام السياسية التي خدعتهم وجرتهم الى ترك وصية النبي وتبليغه ووصفه لعلي (ع) بمولى المؤمنين . ووصفه بانه هو ومواليه خير البرية ، تركوا كل ذلك والتحقوا بالمعسكر الاخر بسب الدنيا والاهواء الدالة على وجود الانحراف الفكري الذي كان يريد النبي والامام علي ان يحصن المسلمون منه ، ولكنهم انجرفوا الى السياسة وتركوا التكليف ، لقد كانت حادثة الغدير فيها جنبتين الاولى تكليف تشريعي والثانية تبليغ سياسي فكان هذا التبليغ اول عملية تبليغ للاسلام السياسي في عهد الاسلام واختيار الاصلح الذي اشار اليه النبي وبلغه للمسلمين لكي لايقعوا في اخطاء خطرها على حاضرهم ومستقبلهم.
وبعد تلك السقيفة التي عقدت لاختيار الحاكم ، ووضع وصية النبي جانبا وعدم اعطائها الاعتبار في الاختيار فقد وقع المسلمين من يومها مزالق الدكتاتورية وحكم الغالب الذي ينافي مايسمى في وقتنا بالديمقراطية ، والتاسيس من يومها للحكم الدكتاتوري القائم على السيف الذي توالت حقبه لاجيال عديدة وحتى يومنا هذا ، لقد كان خطاب معاوية لاهل الكوفة واضحا وجليا وفيه دلالة واضحة الى ان الحكم هو شبيه لما كان سائدا في الحكم ايام الجاهلية وفي دويلات الكفر من حكم الغالب القوي صاحب السلاح والمال حيث خطابهم ( اني ماقاتلتكم لتصوموا وتحجوا، فانكم فاعلون ذلك ، وانما قاتلتكم لاتأمر عليكم ، كل ذلك يحدث بفعل ترك الاختيار الالهي والنزوع الى صاحب المال والقوة، لقد طوع السلاطين والملوك المسلمين الشرع لخدمة بقائهم وتوارثهم فجعلوا الحاكم مهما كان فاسقا وويجاهر بالمحرمات ويعمل الموبقات فهو اهلا للطاعة والامتثال لاوامره ، وهذا ماكان يريد النبي وهل بيته عليهم السلام ابعاد المسلمين عنه وتحصينهم منه ، الا ان الذي حدث مانعاني منه الى اليوم من الحكام المسلمين وحكم بالغلبة والعنف والدكتاتورية بسبب تلك الاحكام الموضوعه والتي جرت الينا الويلات على مر العصور.