د. علي مطر - باحث في العلاقات الدولية
ينتشر في عالمنا العربي الذي يعيش حالة التملص من الدقة والموضوعية، الكثير من وسائل الإعلام التي تروج الكذب والشبهات لصناعة رأي عام موال لها ومعاد لأطراف أخرى. تمارس هذه الوسائل الدّعاية الكاذبة الّتي تقوم بنشر المعلومات المغلوطة من خلال توجيه مجموعةٍ مكثفةٍ من الرّسائل، لتقوم بالتّأثير على سلوك وآراء عددٍ كبيرٍ من الأشخاص المستهدفين، وتقوم في أحيان كثيرة على تقديم معلوماتٍ ناقصةٍ، بل وكاذبة وملفقة، لصالح برامج سياسية.
تطبق هذه الوسائل البروباغندا الإعلامية بشكلها الدقيق، والتي عرّفها "قاموس كامبريدج" بأنّها معلوماتٌ أو أفكارٌ أو آراءٌ أو صورٌ، غالبًا ما تعطي جانباً واحدًا من الحقيقة، الّتي يتمّ بثّها أو نشرها بهدف التّأثير على آراء النّاس. وليس مستغرباً على وسيلة إعلامية استغلت في عملها البروباغاندي توجيه أفكار ومواقف النّاس السّياسيّة والاجتماعيّة من العداء لـ"اسرائيل" إلى التطبيع ولربما أكثر، وهي اليوم تشوه الحقائق وتحرف الأخبار في نقلها عن الأحداث اللبنانية. تحمل هذه القناة اسماً لا يليق بها "العربية"، وتقوم في عملها على إيصال المعرفة الكاذبة وليس كما تدعي في شعارها "المعرفة كما هي".
يوم أمس أفاض الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، بالحديث عن تزوير التاريخ وضرورة التحقق أكثر من الأحداث، ولم ينفك عن الإشارة إلى ضرورة النقل الصحيح للحدث ـ الخبر، وعدم تشويه الحقائق، لكنه لم يكد يكمل كلمته ليوضح فيها صعوبة التحقق التاريخي وضرورة النقل بدون تحريف، حيث قال إنه على سبيل المثال "في الأسبوعين الماضيين رغم أنك عندما تنقل الأحداث أو عندما تَخطب مثلي أنا مثلاً، أنت تَخطب وتنقل عشرات التلفزيونات أو الشاشات كلمتك، ويَسمعها كثيرون، وبعد دقائق قليلة تقوم وسائل إعلام وجهات سياسية بتحريف ما قُلت بالكامل..."، حتى ذهبت "العربية ـ الحدث" للتذاكي في نقل الخبر ـ الذي نفاه السيد في كلمته مباشرة ـ بشكل محرف، وأصرت على التحريف وتحرير وتوجيه الخبر بما يفيد سياسة القناة القائمة على الكذب من أجل ضرب المصداقية عن السيد نصر الله أو الشخصيات الوطنية التي تختلف مع نهج السعودية.
وفيما لم يبرح السيد نصر الله مكانه تم تحريف كلامه من قبل "العربية ـ الحدث"، قائلةً إنه "يجدد اتهامه للمحتجين في لبنان بتلقي تمويل من جهات أجنبية" علماً أن السيد نصر الله كان ينفي ذلك مباشرةً، وكأن من يحرر الخبر لا يريد أن يسمع الحقيقة فُصمّت أذناه عنها واجتزأ ما يريد وحرفه بما تمليه عليه أموال القناة..
أنه ليس تذاكيًا إنما عادة أصبحت في طبيعة القناة والمعنيين بها من خلال امتهان الكذب كصنعة تدر لهم الأموال. ومثل محرري هذه القناة كثيرون يمتهنون التحريف، وكأن مهنة نقل الكلمة كما هي صادقة مؤتمنة لم تعد كذلك، فالمعيار لديهم لم يعد الصدق والأمانة في النقل، بل "اكذب أكثر" لصناعة رأي عام قائم على تشويه الحقائق وليس على تحقيقها. فليتقوا الله في هذه المهنة التي حولوها إلى عملية تقوم على الخداع، وليتقوا الله في ذاك الجمهور الذي يعيش على أوهام التحريف للحقيقة، من أجل أن يظل يعيش في وهم سياسة "مات الملك...عاش الملك"..