
في عمل استثنائي يُعيد رسم البطولات بحروف من ضوء، يأتي مسلسل “العشرين” ليحمل راية التوثيق الدرامي لأعظم التضحيات، مُجسّدًا مسيرة الشهداء الذين وهبوا أرواحهم دفاعًا عن الأرض والعرض والمقدسات. ليس مجرد مسلسل يُعرض على الشاشات، بل لوحة فنية نابضة بالحياة، تستعيد تفاصيل البطولة لحظةً بلحظة، وتعيد معها للأذهان مجد أولئك الذين صنعوا النصر بدمائهم الطاهرة.
على امتداد حلقاته، يغوص العمل في عمق الحكايات التي تركها الشهداء خلفهم، مستعرضًا ملامح الفقد والفخر في وجوه عوائلهم، ومتتبّعًا كيف يعيش ذووهم بعدهم، بين ألم الفراق وشرف التضحية. بأسلوب درامي مُتقن، يضع المسلسل المشاهد أمام مرآة الحقيقة، حيث لا افتعال ولا تكلّف، بل واقع يُحاكي الوجدان، ويجعل من كل مشهد شهادة تاريخية تُكتب بعدسة الإبداع.
كادر العمل.. إبداع يرتقي لمستوى التحدي
وراء هذا العمل الذي خطف الأنظار، تقف رؤية إنتاجية حملت على عاتقها مسؤولية تقديم دراما تليق بحجم القضية التي ترويها. السيناريو جاء مُحكم الحبكة، مُفعمًا بالإنسانية والعمق، فيما قدّم الإخراج رؤية درامية رفيعة، جعلت كل تفصيلة تنبض بالحياة. أما طاقم التمثيل، فقد كان في قمة تألّقه، مُجسّدًا الشخصيات بروح لا تقل عن واقعية الأحداث التي يرويها المسلسل، ليصبح العمل بمثابة وثيقة فنية تحفظ للأجيال القادمة إرث البطولة والتضحية.
آلاء حسين.. عشرين على عشرين في “العشرين”
وسط هذا الإبداع الجماعي، تألّقت الفنانة آلاء حسين بأداءٍ استثنائي جعلها تتصدر المشهد بجدارة، فكانت أكثر من مجرد ممثلة تؤدي دورًا، بل روحًا تنصهر داخل الشخصية، تعيش نبضها، وتتنفّس مشاعرها. لم تكتفِ بالتقمّص، بل انغمست في الشخصية حتى أصبح حضورها أشبه بمرآة تعكس أعماق الدور بكل ما فيه من وجع وأمل وقوة. بهذا الأداء الذي يندر تكراره، لم تكن آلاء حسين مجرد نجمة بارعة، بل كانت “عشرين على عشرين” في “العشرين”، لتُثبت أنها الرقم الأصعب في الدراما العراقية، وأنها ليست فقط الأفضل، بل المعيار الذي يُقاس عليه الإبداع.
“العشرين”.. خطوة تعيد للدراما العراقية هيبتها
جاء هذا العمل كدليل قاطع على أن الدراما العراقية لا تزال قادرة على إبهار جمهورها حين تتوافر لها العناية الحقيقية، فجاء “العشرين” كضوء يخترق عتمة التراجع، ويُعيد الأمل بأن الفن العراقي ما زال قادرًا على تقديم أعمال تحمل بُعدًا وطنيًا وإنسانيًا رفيعًا. هو ليس مجرد مسلسل، بل رسالة امتنان للشهداء، ووثيقة درامية تحفظ قصصهم من النسيان، وتؤكّد أن الإبداع حين يكون نابعًا من الروح، يصبح خالدًا لا يُنسى.